إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).. دستور
جليل وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل في طواياه معاني التسامح
والتعايش ويرسم خارطة للإنسانية جمعاء محورها قبول الآخر ويبني مستقبلاً
للمجتمعات لا يعرف الإقصاء. على امتداد الشهر الكريم نستشف عبق الأريج
الإنساني في رسالة الإسلام ونقف عند شخصيات من تاريخنا حققت معادلة
الإيمان والإحسان. ضرب لنا القرآن أروع الأمثلة في قصة يوسف وإخوته بعد
أن كادوا له وظلموه وأبعدوه عن حضن والديه وعن أهله ووطنه الذي ترعرع
فيه وقضى فيه طفولته الأولى بعد أن سببوا الضرر والحزن العظيم لوالدهم حتى
أصابه العمى بعد كل هذه السنين العصيبة جاء الاعتراف منهم (تا الله لقد
آثرك الله علينا) فكان الانتصار الحقيقي في قوله لهم(لا تثريب عليكم
اليوم) وكان هذا أيضاً حال والده يعقوب عليه الصلاة والسلام معهم وهذا
فيه رد لمن يعتقد أن القوة والانتصار تكون في الانتقام وإيذاء الآخرين
والتسلط جاء في الحديث(ليس الشديد بالصرعة ولكن الشديد الذي يملك نفسه
عند الغضب) ومن حديث أنس رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام مرّ
على قوم يصطرعون (يتعاركون) فقال: ما هذا؟ قالوا: فلان ما يصارع أحداً إلا
صرعه فقال: ألا أدلكم على من هو أشد منه؟ رجل ظلمه رجل فكظم غيظه فغلبه
وغلب شيطانه وغلب شيطان صاحبه فلا تكن أسيراً لخطوات الشيطان ولا تسمع
لمن يقول لك العفو دليل على الضعف وقلة الحيلة بل هو دليل على عظيم خلقك
وحكمتك والعفو عند المقدرة دليل على القوة والشخصية القيادية. ليس معنى
العفو ترك الأبواب على مصراعيها وفتح المجال للمجرمين والمخربين أن يعيثوا
في الأرض فساداً وظلماً وتخريباً وليس معناه أن نتستر على المخالفين ومن
أرادوا بالجميع شراً وبالبلاد قبحاً بحجة أننا نحب العفو ونستر على الناس
فهذا من أكبر الأخطاء ومن أعظم الجهل بل علينا أن نوصل أمرهم إلى الجهات
المسؤولة لأن المصلحة العامة مقدمة على الخاصة ولكل مقام مقال..
|