ملفات حوارات قضايا مختارات فتاوى أخبار و تقارير الرئيسية


مراجعات في زمن التحدي ··· 1

 

 
 

تدعونا التطوّرات الكبيرة المتسارعة على الساحة العربية إلى طرح الأسئلة الحقيقية والصعبة والبحث عن الإجابات الصحيحة - ولو لم تكُن مريحة -  من خلال عملية نخبوية متخصّصة تستند إلى كفاءات تتمتّع بالتجربة النظرية والميدانية وتتمتّع بالتجرّد والعمق والوعي الكبير بالمنطلقات والمناهج والمآلات والتحديات والأبعاد الذاتية والموضوعية لمشاكل الأمّة ولتجربة العمل الإسلامي، وذلك ليتسنّى أخيرا بلورةُ تصوّر كلّي لأزماتنا الجوهرية واقتراح رؤية كلّية منضبطة لعلاجها، وفق خطّة متعدّدة البرامج والمراحل يشترك فيها الدعوي والتربوي والسياسي والاستراتيجي، تستفيد من تراكمات الحركة الإسلامية وجهاد الأمّة وإضافات الإرث الإنساني المشترك·
ولا شكّ أنّ أمام الحركة الإسلامية _ بحكم ريادتها المنتظرة في قيادة النقلة النوعية في حياة الأمة - عشرات الملفّات الملحّة، تتزاحم كلّها حول مكان الصدارة، يتراءى لكلٌّ منها أنّه لا يقبل التأجيل والانتظار، وهذا مفهوم ومبرّرٌ بعد حقبة الغيبوبة التي عشناها في ظلّ الأنظمة الاستبدادية المترهّلة، ولا مفرّ من أن تتبارى الملفّات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والخارجية وغيرها لتحظى بالاهتمام المناسب ويلمسَ المواطنون من خلالها وجود تغيير وإصلاح في حياتهم، لكنّي أرى أنّ على صنّاع الاستراتيجيات في الحركة الإسلامية العامة (أي خارج الدوائر الرسمية في الحكومة والبرلمان والمكاتب التنفيذية) أن يرصدوا وقتًا كافيًا لوضع خطّة علمية رصينة للنقد الذاتي العام تأتي بشجاعة وجرأة ونزاهة على مسيرة الأمّة منذ قرنين من الزمن في مسح شامل دقيق للإنجازات والإخفاقات على جميع الأصعدة، ومن ثمّ استغلال المرحلة الجديدة المتّسمة برفع تحدّي الحرية من قبل الشعوب لتصحيح المسارات واختزال المسافات، استدراكًا للفرص الضائعة وفتحًا لفرَص الانطلاق الحضاري المأمول، بعيدًا عن العموميّات والإطلاقات كما كان سابق عهدنا، إذ يجب وضع الجداول والإحصاءات وإبراز الأخطاء المتكرّرة والحلول التي ثبت فشلُها واقتراح البدائل المناسبة للتطوّر السياسي الحاصل في الساحة العربية، أي ينبغي فتح ملفّ المراجعة بكلّ حزم وصدق ومسؤولية بناء على القواعد العلمية للنقد الذاتي، وأقترح في هذا المجال الوقوف عند محطّات أحسبها على درجة كبيرة من الأهمية:

o بين النقد وجلد الذات:
جلد الذات مرض نفسي يجعل الإنسان يضخّم أخطاءه ويتلذّذ بالحديث عنها و(يُعيد السكّين في الجرح) للشعور بمزيد من الألم، ويبقى يدور في هذا الفلك بسلبيّة تزيد حاله تدهوراً، أمّا النقد الذاتي الصريح _ المراجعة والمحاسبة في أدبيّاتنا الإسلامية - فهو عمليّة واعية لإبصار عيوب النفس وتحديد أخطائها لعلاجها وتصحيح المسيرة، ولم يعُد مقبولا أبدًا تمرير الأفكار بدون مناقشة ولا تكرارُها بدون تمحيص ولا تبرير المنحرف منها والدفاع عنه حتى الموت، فقد حوّلت هذه العادات الفكرية العقول إلى أوعية فيها كمٌّ فوضوي من الأفكار ممّا أدّى إلى انتكاسات ذهنية ليس أقلّها حمل أفكار متضاربة إلى حدّ التناقض من غير أن يشعر أصحابّها بذلك، إلى جانب الأحادية التي تُلغي الإثراء والتمييز وفسح مجالات الاختيار، ولا يخفى أنّ هذا يؤدّي إلى نموّ المحافظة على القديم (ليس لأنه صحيح ولكن لأنه قديم اكتسب القدسية، ولا خير في غيره) وازدياد مساحة التقليد واشتداد التعصّب وتحنيط العقل، وكلّ هذا يُغري بالجنوح إلى تنزيه الذات واتّهام الغير وبالتالي إلى العنف اللفظي والمادّي بدل الحوار على خلفية انشراح الصدور، لأنّه يُوهم بامتلاك الحقيقة المطلقة، وهو في النهاية يهدم ولا يبني، ويَهوَى التفريق بدل التجميع·
هذه مقدّمة ضروريّة بين يدي موضوع يسلّط الضوء على بعض الجوانب غير المشرقة في وضعيّة الأمّة حين تأخّرت عن ركب الحضارة، قاصداً إبراز الجرح ليس من أجل إحياء آلاَمه ولكن ابتغاء تطييبه، ذلك أنّنا بين تيارين متناقضين في تقويم حال أمّتنا وعطائها، لا يرى أحدهما إلاّ السلبيّات، ويُستخلص من طرحه ألاّ أمل في الإصلاح لأنّ تاريخنا العربي والإسلامي كلّه هُزال وإخفاقات متتالية، ويغمض التيار الآخر عينيه عن حقائق الواقع المتردّي وبصمتنا الذاتية الواضحة فيه ويتفنّن في التفسير التآمريّ كأن كلّ شيء عندنا بألف خير لكنّ الأعداء يختلقون ويأفكون ويهوّلون، وفق معادلة تبرئة الذات وتحميل المسؤولية للعوامل الخارجية·

o لماذا تأخّرنا؟:
هذا السؤال قديم جديد، كثيراً ما يواجهه المسلمون بإجابة في غاية التسطيح هي أن ذلك بسبب تخلّينا عن القرآن والسنّة، وهذا حقّ بكلّ تأكيد بشرط أن نفهم معنى وحقيقة التخليّ، بعيدا عن التفسيرات العاطفيّة الهلاميّة لهذه العبارة، فكتاب الله تعالى يُحفظ ويُتلى، والسنة النبوية محلّ اهتمام الدارسين والملتزمين، لكنّ تحقيق الغايات والمقاصد هو الغائب على كثير من الأصعدة، ولننظر مثلا إلى  التغافل عن تفريطنا الكبير في القيم الحياتيّة الّتي طلّقتها مجتمعاتنا منذ مدّة طويلة، فلم يعد المتديّنون يكترثون لأمر الحريّة والشورى والعدل والنّظام والدقّة والإتقان، رغم أنّها خارجة من رحم الشّريعة وأشاد بها الوحي المنزّل وحثّ عليها تماماً كشأن العبادات والأخلاق، فكيف نتقدّم في دنيا الناس ونكون شهداء عليهم ونحن نستمرئ التخلّف ونتوارث قيَمه وصيَغه؟
إنّ إنسان التغيير والإصلاح والحضارة والشهادة يحتاج إلى عادات جديدة في حياته اليوميّة ومع محيطه، وهذا يجب أن يستند إلى منظومة معرفيّة وسلوكيّة تنقله نقلةً نوعيّة يتعلّم منها أن يأتي وظيفته وعمله في الوقت تماماً بعد أن اعتاد على التأخّر والغياب، وأن يحترم الموعد الّذي أعطاه مهما كان نوعه، وهكذا ···
هذه النقلة ليست بالأمر الهيّن، لكنّها واجبة وضروريّة إذ من الصعب على من تعوّد اللامبالاة أن تدبّ فيه روح المسؤوليّة، ومن الصّعب على من تكيّف مع العمل غير المتقن أن ينجز أعمالاً متقنةً، ومن الصّعب على المسؤول أو الموظّف الّذي أصبحت الرشوة جزءًا من حياته أن يصبح متعفّفاً··· كلّ هذا صَعب جدّا لكنّه حتميّ إذا أردنا للأمّة أن تغادر مربّع التخلّف الحضاريّ، والّذي يجب ملاحظته بوضوح والفصل فيه بكلّ جرأة أن النّقلة الّتي نتحدّث عنها لن يُحدثها وصول فصيل معيّن أو حزب أو حركة جادّة إلى السّلطة، إنّما هي مهمّة التربيّة بواسطة البيت والمسجد والمدرسة وحلقة الذكر والمحضن التربوي ونحوها، ذلك أنّ قطاعاً كبيراً منّا يربط إحداث التغيير النفسيّ والاجتماعيّ بالتربّع على كرسيّ السلطة وإصدار التّشريعات، ورغم أهميّة الحكم الرّاشد فإنّ التجارب التاريخيّة أثبتت أنّ مناهج التغيير الناجحة هي ما صعد من القاعدة لا ما نزل من القمّة، وهي حقيقة نفسيّة واجتماعيّة أشار إليها قول الله تعالى: (إنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم)  سورة الرّعد 11· فالتغيّر مرتبط بالأنفس أي بالتربيّة سلباً وإيجاباً، وليس بتغيير الحكّام، ويجدر بنا هنا الانتباه إلى الفرق الشاسع بين آلية الأفكار أي التربيّة والتوعيّة وبين آلية العضلات أي السعي لبلوغ الحكم بأيّ ثمن رغم أهمية السلطان عندما يستند إلى الحقّ والعدل وإرادة الإصلاح، والذي لا تتوّج عملية التغيير إلاّ به، وكثيرا ما تبقى القيم الكبرى مجرّد شعارات أو موادّ مَتحفيّةً ما لم تُحوّلها السلطة الشرعية العادلة إلى حقائق ينعَم بها الناس·
وما دمنا نتخبّط في دائرة التخلّف ونريد الخروج منها لكن بالأساليب الّتي أنتجها التخلّف ذاته فلن نذهب بعيداً، ذلك أن أغلب الحركات الّتي تنشد الإصلاح تستصحب أمراض المجتمع وتجدّدها وتُطيل حياتَها، مثل رفع شعار الشورى والعمل بالاستبداد، ومثل انتقاد فكرة الزعيم الأحد عند الحكومات، وهي من جانبها تقدّس الزعيم وتربط نفسها به وجوداً وعدماً وتُضفي عليه هالات القداسة وتُنزّهه عن الخطأ وتُحصّنُه من المساءلة·

.../ ... يتبع
- بتصرف في العنوان-
أ·عبد العزيز كحيل

 
   
 

 
           

 



أفضل 10مواقع إسلامية2020

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..هل أصبح موضة قديمة..؟

التسول ظاهرة اقتصادية.. والإسلام منها بريء


ما قل ودل من كتاب أدب الدنيا والدين

التمييز العنصرى ظلم ولكن...

فرح المؤمنين بمساجدهم


الداعية والمفكر الإسلامي الدكتور عمر عبدالكافي في حوار صريح

القضاء والقدر

جلول حجيمي :لا لمحاولات نشر التشيّع في الجزائر


الحرب على الحجاب تتمدد بالغرب

الإسلاموفوبيا تغزو الجامعات البريطانية

إبادة مسلمي ميانمار جريمةٌ حكومية ومسؤولية دولية




من تصميم
من نحن
إتصل بنا
islamarabi.com © 2015-2010
html hit counter
مقالات
مسلمون حول العالم
الرقية الشرعية
الطب النبوي
طريق التوبة
تفسير الاحلام
التنمية البشرية
بستان الحكمة
قضايا إسلامية
للأخوات فقط
فتاوى
مختارات
القدس
ملفات
أخبار و تقارير
حوارات