اشتهر على كثير من الألسنة فضائل لهذا
الشهر الكريم شهر رجب أكثرها غير صحيح، وصحيحها غير صريح، وكثرت حاجة الناس
إلى معرفة الخطأ من الصواب، والتمييز بين الحق والباطل، وبيان ما هو
سُنَّة صحيحة، وما هو بدعة قبيحة· هذا، وقد وردت أحاديث كثيرة في فضائل هذا الشهر، صحيحها غير صريح، وصريحها ضعيف أو موضوع!! قال
الحافظ ابن حجر رحمه الله: (لم يرد في فضل شهر رجب، ولا في صيامه، ولا في
صيام شيء منه معين، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة)· وقال أيضًا: (الأحاديث الصريحة الواردة في فضل رجب أو فضل صيامه أو صيام شيء منه تنقسم إلى قسمين: قسم ضعيف، وقسم موضوع)!! وقد جمع -رحمه الله- الضعيف فكان أحد عشر حديثًا، وجمع الموضوع فكان واحدًا وعشرين حديثًا·
الإسراء والمعراج ذكر العلامة أبو شامة في كتابه (الباعث على إنكار البدع والحوادث)، أن الإسراء لم يكن في شهر رجب· قال
رحمه الله: (ذكر بعض القصاص أن الإسراء كان في رجب؛ وذلك عند أهل التعديل
والتجريح عين الكذب، قال أبو إسحاق الحربي: أسري برسول الله ليلة سبع
وعشرين من شهر ربيع الأول)· وذكر الحافظ في (فتح الباري) أن الخلاف في
تحديد وقته يزيد على عشرة أقوال، منها أنه وقع في رمضان، أو في شوال، أو في
رجب، أو في ربيع الأول، أو في ربيع الآخر· وقد بيَّن شيخ الإسلام ابن
تيمية أن ليلة الإسراء لم يقم دليل معلوم على تحديد شهرها أو عشرها -أي
العشر التي وقعت فيها- أو عينها، يعني نفس الليلة· اهـ· وخلاصة أقوال المحققين من العلماء أنها ليلة عظيمة القدر، مجهولة العين· وحريٌّ
بالمسلم أن يتبع ولا يبتدع؛ إذ محبة الله تعالى ومحبة رسوله تنال
بالاتِّباع لا بالابتداع، قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ
اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ
ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ
وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ
الْكَافِرِينَ} [آل عمران: 31، 32]· وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه·
|